باختصار، الفقر والأمل بحياة كريمة ومعاملة إنسانية دفع آلاف اللبنانيين أن يحذوا حذو أشقائهم السوريين الهاربين من الموت الحتمي والمتطلعين إلى أوروبا التي فتحت الأبواب لاستقبالهم ليعيشوا فيها حياة هادئة بسيطة.
ما يصدم هو حقيقة العدد الهائل من اللبنانيين الذين اختاروا الهجرة غير الشرعية نحو السويد وألمانيا عبر زوارق الموت.
حكاية الهجرة
تبدأ الحكاية عبر ميناء طرابلس أو عبر مطار رفيق الحريري الدولي، والوجهة هي السويد أو ألمانيا، تختلف طريقة الانطلاق، ولكن طريق النار ذاته يسلكه جميع المهاجرين غير الشرعيين. فمن يختار البحر الوسيلة الأخطر للهجرة تكون محطته الأولى في مرسين. جنوب تركيا، ومن ثم يستقلون الزورق إلى جزيرة بودروم ومن ثم إلى اليونان، ومن ثم إلى أثينا، تليها مقدونيا وصربيا وهنغاريا، ومن يحالفه الحظ يصل إلى ألمانيا التي توفر المسكن والمأكل كخطوة أولى بعد احتضانهم. أما من يختار السفر بالطائرة فتكون وجهته الأولى أزمير ومن ثم يسلك الطريق ذاته.
قصص من المهجر
يروي بلال (36 عاماً، سوري) سبب هجرته قائلاً: "أعيش في لبنان منذ 15 عاماً وحينما قررت العودة إلى بلادي نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية الصعبة، كانت سوريا قد دخلت في الحرب، وبعد محاولات للهجرة نتيجة لعمليات النصب التي تعرضت لها تمكنت من استدانة المال الكافي للسفر، وبالفعل سافرت بالطائرة نحو أزمير ومن ثم إلى جزيرة بودروم عبر الزورق، وكدنا نغرق بعدما هددنا الكوماندوز التركي بإطلاق النار على الزورق، إلا أنه سحب كل البنزين الموجود في الزورق وتركنا مع الأطفال في عرض البحر، ولولا الصياد الذي أنقذنا لكنا الآن في عداد الأموات، لافتاً إلى أنني كنت أعلم أن ما أقوم به مخاطرة ولكن الحلم بعيش حياة جيدة دفعني لكي أخاطر بحياتي، ولكن الكلام ليس كالفعل، فلقد رأيت الموت مرات عدة".
وأضاف بلال: "بعدما وصلنا إلى بودروم عند منتصف الليل، اتجهنا نحو اليونان واستغرقت الرحلة ست ساعات في عرض البحر، وبعد محاولات عديدة بعدما مكثنا في اليونان 15 يوماً تمكنا من الذهاب إلى مقدونيا عبر باخرة، ومن ثم بدأت رحلة الغابات وصولاً إلى هنغاريا، حيث ألقت الشرطة الهنغارية القبض علينا، وتم احتجازنا لمدة يومين تعرضنا خلالهما للتعذيب والإهانة، وبعد الإفراج عنا تمكنا من الوصول إلى ألمانيا".
أما سلمى (24 عاماً، لبنانية) فتقص كيف هاجرت وعائلتها إلى ألمانيا، قائلةً: "قرر والدي أن نهاجر أنا وإخوتي ووالدتي بعدما سمع في الأخبار أن ألمانيا فتحت أبوابها للسوريين، فسأل عن الطريق وتمكن من الحصول على رقم أحد المهربين واتفق معه على الطريقة والتكلفة كوننا عائلة، في البداية خافت والدتي من هذه المجازفة وهي خطيرة جداً ولكن الحالة المأساوية التي نعيشها في لبنان فلا أمان ولا عمل جيد والمعيشة أصبحت غالية جداً، بالإضافة إلى الخوف من حرب قد تقع، والآن هنالك فرصة ثانية لنا في الحياة عبر العيش في ألمانيا، فعندما وصلنا إلى تركيا عبر الزورق رمينا جوازات سفرنا وادعينا أننا سوريون ولقد حالفنا الحظ بالوصول إلى ألمانيا".
وأضافت: "نحن الآن انتقلنا للعيش في المدرسة بعدما كنا في المخيم، نعامل جيداً ونشعر بالطمأنينة والراحة، نحن الآن بأمان، أنا وإخوتي سنبدأ بتعلم اللغة الألمانية، الأسبوع المقبل، ومن ثم ستبدأ حياتنا الجديدة، لافتة إلى أن كثيراً من أقاربنا في الشمال وأهلي قرروا القدوم إلى ألمانيا، وهكذا لن نشعر بغربة كبيرة إلا أن عامل الخوف من الطريق الذي تملؤه المخاطر يجعل البعض يتردد. بغصة وصوت باكٍ، أعربت "أ. ن" (18 عاماً، سورية) عن وجعها لما حصل لبلادها، قائلة: لقد رأيت الأطفال والكبار جثثا وجرحى أمامي، ولم أستطع أن أساعدهم، لقد قصف منزلي وخسرت والدي الذي ذهب لتأمين الطعام والشراب لنا ولم يعد، ومن شدة خوف والدتي علي وعلى أختي (15 عاماً) قررنا الذهاب مع أخي الصغير إلى تركيا خوفاً من الموت أو الخطف، وعشنا هناك لمدة سنتين إلا أننا لم نرتح هناك ولم نشعر بالأمان، فقررنا الهجرة إلى ألمانيا، فسلكنا طريق الموت عبر بحر الموت الذي بقينا فيه ما يزيد على 4 ساعات، والذي هو شديد الخطورة، وأراه في منامي حتى الآن، لأننا كدنا نموت بعدما غرقنا نحن وكل من كان معنا في الزورق من نساء ورجال وأطفال، ولا أعلم حتى الآن كيف وصلنا إلى السواحل اليونانية، من المؤكد أنها قدرة الله -عز وجل-، ومن اليونان بدأت رحلتنا سيراً على الأقدام نحو ألمانيا التي وصلنا إليها منذ خمسة أيام، ونحن الآن نعيش في الخيام والألمان يعاملوننا بطريقة ممتازة، هذه هي قصتي وعائلتي باختصار".
مهاجرون غير شرعيين
وأوضح رئيس مركز طرابلس لحقوق الإنسان المحامي رامي إشراقية أن عدد المهاجرين غير الشرعيين من لبنان باتجاه أوروبا بلغ حتى الآن نحو أربعة آلاف مهاجر طرابلسي، بحسب مصدر أمني، لافتاً إلى أن هناك طريقتين للهجرة، إما عبر مرفأ طرابلس أو بالجو عبر الذهاب إلى ازمير، ومن ثم إلى جزيرة بودروم ومن ثم إلى أثينا ومن هناك يذهبون إلى هنغاريا ومقدونيا ليصلوا إلى السويد أو إلمانيا، مؤكداً أن الأكثرية تذهب إلى ألمانيا نظراً إلى أنها فتحت باب الهجرة. وكشف عن أن هناك طريقتين للسفر: "إما عبر الزورق الذي تكون تكلفته 1300 دولار أو اليخت بـ2500 دولار والزورق فيه خطورة كبيرة عن اليخت"، فهناك من قال: "إن الزورق أوصلهم إلى منتصف الطريق وعندما رأى خفر السواحل أجبرهم على النزول وأعطوهم "فواشة" تذوب بعد نصف ساعة ويكون إما وصل أو مات". وقال إشراقية: "ليس لدينا أي علم حول هجرة الفلسطينيين، فمن هاجر أبلغ ذويه أن هنالك لبنانيين من الشمال وسوريين معهم على الزورق ذاته"، كاشفاً أن "اللبناني عندما يصل إلى ازمير يرمي هويته وجواز سفره ويركب في الزورق ويصل إلى أثينا، ويقول إنه ليس لديه أوراق وهو سوري"، ومنهم من يقول: "إننا لبنانيون وهاربون من الأوضاع السياسية في البلد وخائفون من الوضع في البلد ونخشى من أي حرب قد تحصل". وأضاف: "ما قد يحصل أن الحكومة السويدية بعد عدة أشهر ستجري مخابرة مع الدولة السورية وستعطيهم اسماء اللاجئين وسيظهر أن اللبناني الذي يدعي أنه سوري ستكشفه هذا إذا قال اسمه الحقيقي، أما إذا ادعى اسماء غير أسمائهم فقد يحالفهم الحظ، هناك من يلعب على الوقت بأنه مكث لمدة هناك وأصبح من الصعوبة ترحيله، لهذا حتى الآن لم تتبلور الصورة، لافتاً إلى أن اللبناني والسوري عندما يصل إلى إحدى الدول الأوروبية يحق له بعد ذلك القيام بلم شمل لأهله. وشرح إشراقية أن كثيرا ممن هاجروا بطريقة غير شرعية أرسلوا برسائل لذويهم في لبنان بألا يلجأوا إلى السفر عبر البحر لأن فيه خطورة كبيرة، والمهرب يكذب عليهم ليحصل على المزيد من المال كما أن هنالك من قال: إن الشرطة الهنغارية تعرضت لعدد من المهاجرين بطريقة غير أخلاقية".
0 commentaires :
Enregistrer un commentaire